وإن كانت تطمينات القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع بقوله إنّ «سوريا لن تتدخّل في الشأن اللبناني»، قد أرخت بظلالها على الداخل اللبناني، غير أنّها لن تُبدّد مخاوف كثير من اللبنانيين الذين يرون في المتغيّر السوري خطراً على لبنان على المدى البعيد لأسباب عدة، ربما يكون أبرزها: سرعة سقوط النظام السابق وبلوغ مجموعات المعارضة المسلحة العاصمة، بالتزامن مع الدخول الإسرائيلي العسكري السريع إلى الجولان والتقدّم في اتجاه دمشق، وأهمية سوريا الاستراتيجية للبنان، إضافة إلى هوية الجماعات التي تسلّمت الحكم وطريقة تعاطيها مع دول الجوار، على رغم من أنّ العلاقات اللبنانية ـ السورية طوال عهد آل الأسد لم تكُن مستقرة، وطريق بيروت ـ دمشق لم تكن معبّدة بالزهور، بل مرّت بكثير من المطبّات والأزمات وتحديداً خلال العقدين الماضيين.
تصريحات «الجولاني» اللبنانية والتطمينات الدولية بتحييد لبنان عن تداعيات «الزلزال السوري»، لا تعني أنّ طريق بيروت ـ الشام أصبحت سالكة على مستوى الدولتين والحكومتين، وفق مصادر مطلعة، بل تعترضها مجموعة من التحدّيات والألغام والمخاطر السياسية والأمنية والقضائية والدولية والاقتصادية، قد تحتاج الحكومتان إلى جهود كبيرة ووقت لتعبيد طريق العلاقات الضرورية بين البلدين:
ـ هل ستبادر الحكومة اللبنانية إلى إقامة علاقات ديبلوماسية وسياسية مع النظام الجديد في سوريا في ظل حكم «هيئة تحرير الشام» الإخوانية، وقبل رفع العقوبات الأميركية وقانون «قيصر» عن سوريا، وتجاوز قرار دول الخليج التي لا تزال تصنّف «جبهة النصرة» منظمة إرهابية، وتنظر بريبة إلى المدّ الإخواني ـ التركي في سوريا والمنطقة، الذي سيكون على حساب المشروع الخليجي ـ العربي؟.
زيارة الوفد الديبلوماسي الأميركي الرفيع المستوى لدمشق، ولقاؤه أحمد الشرع والحكومة الانتقالية، سيُشرّع أبواب دمشق أمام الحكومة اللبنانية. ووفق جهات ديبلوماسية غربية لـ»الجمهورية»، فإنّ التحاق دول الخليج بواشنطن إلى دمشق لن يتأخّر، ربما لإجراء الترتيبات اللازمة، ما يُزيل الإحراج اللبناني من القيام بخطوة في اتجاه دمشق.
ـ ما مصير الاتفاقات اللبنانية ـ السورية الأمنية والاقتصادية؟ هل سيُمدّد العمل بها أم ستُلغى أم تُعدّل في ظل مطالبة بعض الأطراف اللبنانية الداخلية بتعليق العمل في هذه الاتفاقيات؟ وما هي المقاربات الاقتصادية الجديدة للإدارة الانتقالية تجاه لبنان؟ هل ستُحدّد قريباً أم بعد وضع دستور جديد وانتخابات نيابية وحكومة جديدة؟
ـ في حين يعتبر لبنان بدستوره ودولته وحكوماته المتعاقبة ومجالسه النيابية المتتالية وبمعظم طوائفه وقواه السياسية إسرائيل عدوة، فكيف سيتمّ تنظيم العلاقة بين العاصمتين في هذا الملف في ظل عدم تشارك النظام الجديد السوري الجديد لبنان العداء لإسرائيل في ضوء مواقف الشرع وحكومته بالانفتاح عليها وإقامة السلام معها؟.
ـ ذكر الشرع في أحد تصريحاته أنّه في حال توافق اللبنانيون على انتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية فإنّه سيدعم هذا الترشيح.. فهل يعني أنّه ربط انفتاح سوريا على لبنان بانتخاب عون؟ ما قد يُفسّر تدخّلاً مباشراً في شأن سيادي لبناني. غير أنّ تصريحات لاحقة للشرع عاكست تصريحه السابق، وأكّدت عدم تدخّل النظام السوري الجديد في شؤون لبنان والوقوف على مسافة واحدة بين جميع مكوناته، ما يعدّ إشارة إيجابية تنتظر الترجمة العملية لاحقاً.
ـ كيف سيكون تعاطي الحكومة السورية الجديدة مع «حزب الله» الذي لطالما شكّلت سوريا مجاله الحيوي ومداه الجغرافي في مقاومته للعدوان الإسرائيلي؟ هل ستقوم بإقفال الجغرافيا السورية في وجهه ما سيعتبره الأخير مشاركة في عزله وحصاره عن محيطه، وبالتالي قد ينعكس سلباً على علاقة حكومة دمشق مع طرف لبناني أساسي له تمثيله النيابي والوزاري؟ أم أنّ إيران تلقّت ضمانات تركية في شأن الحزب وسلاحه وحركته؟ واستطراداً، ما هي نظرة حكومة الشام إلى «حزب الله؟».
ـ قد لا يكون وجود نظام «شبه إسلامي» في سوريا هو مصدر الخطر الأمني على لبنان، بل يكمن في وجود حركات «إسلامية» متعددة الأيديولوجيا والمدارس الدينية والولاءات والأهداف، تتنازع في ما بينها وربما مع النظام القائم، إضافة إلى نظرة مختلفة لـ»الحركات الشيعية» في المنطقة وعلى رأسها «حزب الله»، وهذه التباينات والنزاعات قد تنعكس على الساحة اللبنانية إذا صحت المعلومات عن أنّ غالبية التنظيمات المسلحة في سوريا لها امتداداتها وأرضها الخصبة في لبنان، وأنّ هناك أكثر من 20 تنظيماً مسلحاً على الأرض السورية يختلفون في ما بينهم حول مقاربة الوضع السوري. وقد سُجّلت أمس وفق المعلومات حادثة خطف العقيد أحمد خير بك أحد معاوني العميد غسان بلال في الفرقة الرابعة في النظام السابق.
ـ إشكالية وجود قيادات من النظام السوري السابق في لبنان، في ظل تضارب المعلومات حول هذه القضية، علماً أنّ وزير الداخلية بسام مولوي والأمن العام اللبناني أكّدا عدم وجود قيادات سورية رفيعة في لبنان، غير أنّ الحكومة السورية قد توجّه رسالة إلى لبنان بأسماء موجودة تطلب تسليمها ما قد يخلق أزمة ديبلوماسية بين بيروت ودمشق. وقد تلقّى النائب العام التمييزي في لبنان القاضي جمال الحجار، برقية من الأنتربول الدولي تطلب من السلطات اللبنانية «توقيف اللواء جميل الحسن مدير المخابرات الجوية السورية في النظام السابق إذا كان موجوداً على الأراضي اللبنانية».
ـ قضية الموقوفين الإسلاميين في السجون اللبنانية، في ظل ارتباط كثير منهم بالقضية السورية وقتالهم إلى جانب التنظيمات المسلحة التي تسلمت الحكم في سوريا، ما قد يدفع حكومة «هيئة تحرير الشام» إلى الطلب من الحكومة اللبنانية الإفراج عنهم، ما قد يؤدي إلى خلاف بين الحكومتين في ظل انقسام داخلي لبناني حول هذا الملف، لا سيما أنّ بعض الموقوفين متهمون ومحكومون في أعمال إرهابية ضدّ الجيش والمدنيين، كالشيخ أحمد الأسير.
ـ ملف النازحين السوريين في لبنان بقسميه: النازحون بعد حرب العام 2011 والنازحون الجدد من القرى الشيعية والعلوية السورية في اتجاه لبنان. علماً أنّ عدد العائدين إلى سوريا بعد سقوط النظام بقي خجولاً نسبة إلى العدد الإجمالي، ما يتطلب جهوداً وتعاوناً كبيرين بين الحكومتين اللبنانية والسورية لنزع صواعق هذا اللغم، الإنسانية والاقتصادية والأمنية، في ظل معلومات تشير إلى أنّه قبل إزالة العقوبات الأميركية ومفاعيل «قانون قيصر» والعودة الخليجية المالية إلى سوريا، لن تُحلّ الأزمة السورية، وبالتالي لن يعود النازحون إلى بلدهم.
ـ لطالما تذرّعت إسرائيل بأنّها لن تنسحب من مزارع شبعا قبل أن تسلّم سوريا لبنان وثائق تؤكّد لبنانيتها، وهذا كان مبرراً لاستمرار احتلالها للمزارع لضرورات عسكرية واستراتيجية كما يحصل اليوم في سيطرتها على قمة جبل الشيخ. وكان هذا الملف محل نزاع سياسي لبناني داخلي، حيث اتهم فريق لبناني النظام السابق بأنّه لا يريد منح لبنان هذه الوثيقة، لتبقى